بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة الثالثة : أثر المعاصي على القلب .
النقطة الأولى : عندما يصبح القلب أسوداً بنسبة 100% .
سورة الكهف : وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49).
قلنا أن المجرم أو الشقي أو الغافل هو الذي يستصغر المعصية ، وليس المؤمن وليس الذاكر ، المؤمن الحق أو الذاكر لا يفعل ذلك ، وما دام الغافل يستصغر المعصية فهو حتماً سيقترب منها ، وإذا أقترب منها سيقع فيها ، ويسقط فيها ، ويفعلها ، ويرتكبها ، ليس مرة واحدة ، ما دام يعيش حالة الاستصغار ، سيظل مستمراً عليها ، سيظل مستمر على ارتكاب المعصية ، يعني يتمادى على فعلها ، يصر على اقترافها ، وهذا يعني أن المعاصي لا تظل واحدة .
ومع مرور الأيام والشهور والسنين ، هذه المعاصي التي يرتكبها تزيد وتزيد وتزيد ، يزيد عددها ، تتكاثر مع مرور الوقت والزمن والعمر ، وتتجمع وتتجمع وتتجمع ، وتحاصره شيئاً فشيئاً ، هذا إذا لم يتب منها ، نتكلم عن حالة المصر ، هذه المعاصي تتجمع حوله وتحاصره حصاراً ، وإذا لم يتب قبل موته ، فهي تطبق عليه لحظة الموت ، وعندما تطبق عليه لحظة موته ، فهو لن يستطيع أن يتوب .
سورة النساء : وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18).
لذلك لا تقبل توبته لحظة موته ، لأن هذه السيئات التي أرتكبها أحاطت به ، وأطبقت عليه ، يعني حاصرته 100% ، تماماً مثلما يحاصر جيش ما أهل قرية ، نفترض أن جيشاً أراد أن يحاصر قرية ما أو بلدة ما ، أن يحاصر أهلها ، عملية الحصار لا تتم ولا تكتمل في لحظة واحدة ، وإنما تكتمل مع مرور الوقت ، والجيش له خطة ، يحاول أن يحاصر هذه القرية ، يعني أن يحاصر أهلها شيئاً فشيئاً ، من جميع الجهات ، ما لم يشكل هذا الجيش دائرة كاملة تامة ، مغلقة على كامل البلدة ، بإمكان أهلها أن يفروا ، بإمكان أهلها أن يهربوا ، لكن لو أتم الدائرة ، وحاصر البلدة حصاراً كاملاً ، وأغلق عليها وأطبق عليها ، هل يستطيع أحد من سكان القرية أن يفر؟ ، هل يستطيع أحد منها أن يهرب ؟ ، لا أحد يستطيع أن يهرب أو يفر ، هذا نفس الشيء بالنسبة للشقي .
يعني هذه السيئات مع مرور الوقت والعمر والزمن ، تحاصره لكن لم تطبق عليه بعد ، بإمكانه أن يتوب ، بإمكانه أن يفر إلى الله ، مهما كان هذا الحصار كبيراً ، ما لم يطبق عليه بنسبة 100% ، بإمكانه أن يرجع بالتوبة والرجوع والإنابة إلى الله .
سورة الذاريات : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
سورة الزمر : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
نعود إلى القرية ، إذا كان هذا الجيش يحاصر القرية من جميع الجهات ، يحاصرها شيئاً فشيئاً لكن لم يكمل بعد دائرة الإغلاق والإطباق ، فبإمكان أهل المدينة أن يفروا وأن يهربوا ، لكن لو أحاط بنسبة 100% فلن يستطيع أحد الفرار أبداً ، نفس الأمر بالنسبة للإنسان ، مهما فعل من الذنوب ، معهما أرتكب من المعاصي والسيئات ، ما لم تطبق عليه ، ما لم تحاصره السيئات من جميع الجهات ، بإمكانه أن يتوب ، باب التوبة يظل مفتوحاً .
سورة الزمر : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56).
لكن لو أن سيئاته أحاطت به من جميع الجهات ، وأطبقت عليه بنسبة 100% ، فإنه لا يستطيع أن يتوب ، لأن ملك الموت يكون موجود في تلك اللحظة .
سورة البقرة : بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)
لكن هذا لم يشعر ، هذا الشقي لم يكن يشعر بهذا الحصار ، وذلك بسبب عامل النسيان ، يعيش الغفلة أو النسيان ، ينسى ما يرتكبه من معاصي .
سورة الكهف : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ … (57).
يتبع…