الدرس التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا من لدنه علما وحكمة إنه هو العليم الحكيم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ((الْخَاشِعِينَ))

من هم يا رب هؤلاء الخاشعين؟

نريد أن نكون منهم .

نريد أن نخشع لك وتخبت قلوبنا

نريد أن نصل للسجود القلبي لك.

(( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ))

إذن هو ذكر لقاء الله

هو ذكر الموت

هو ذكر اليوم الآخر

هو ذكر المصير

الجنة أو النار والعياذ بالله.

ما علاقة ذكر الموت والإستعداد له بالخشوع؟!

(إِنَّ الَّذِينَ ((لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا)) وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ((وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ))
[سورة يونس 7]

ارتبط الغافلون عن آيات الله بعدم رجائهم في لقاء الله.

غفلة = كراهية لقاء الله
غفلة = حب الدنيا

وبالمقابل ارتبط المتأملين المتفكرين في السماوات والأرض بتذكر اليوم الآخر وتذكر لقاء الله

التأمل = استعداد للقاء الله
التأمل = استعداد للآخرة

(الَّذِينَ ((يَذْكُرُونَ اللَّه))َ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ ((وَيَتَفَكَّرُونَ)) فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ((فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ ((رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ))*(( رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ))
[سورة آل عمران 191 – 194]

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
[سورة البقرة 46]

إذن إن أردنا أن نكون من الخاشعين

إن أردنا أن يكون بداخلنا دوما ذكر لقاء الله والرجوع إليه..

علينا بعدم الغفلة عن آيات الله!

سواء كان ذلك:

  • بالتفكر والتدبر لآيات الكتاب المسطور (القرآن)
  • أو التأمل والتفكر في آيات الكتاب المنظور ( الكون).

لذلك نجد كثيرا من آيات التفكر وذكر الخلق تليها أو تسبقها آيات ذكر الموت أو الآخرة أو لقاء الله.

بل أحيانا يكون ذلك في آية واحدة.

فالإثنان مرتبطان

أعطيكم بعض الأمثلة وبإمكانكم بعدها البحث عن مثيلاتها في القرآن الكريم:

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ ((أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون))َ * هُوَ الَّذِي ((خَلَق))َ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
[سورة البقرة 28 – 29]

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ((وَمَاتُوا)) وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ((الْعَذَابُ)) وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي ((خَلْقِ)) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
[سورة البقرة 161 – 164]

(وَهُوَ الَّذِي ((خَلَق))َ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ ((يُنْفَخُ فِي الصُّور))ِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)
[سورة اﻷنعام 73]

(أَوَلَمْ ((يَنْظُرُوا)) فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا ((خَلَق))َ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ ((اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ))ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)
[سورة اﻷعراف 185]

هذه الآية أكثر وضوحا ربطت بين الثلاثة
تأمل . الخلق . تذكر لقاء الله

أيضا هذه

(أَلَمْ ((تَر))َ أَنَّ اللَّهَ ((خَلَق))َ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنْ يَشَأْ ((يُذْهِبْكُمْ)) وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)
[سورة إبراهيم 19]

(( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ))

الذي يذكر الموت دوما هو الذاكر لله .

بينما الغافل أو المنافق قليل الذكر لا يحب ذكر الموت ويتشاءم منه ويتمنى لو يعمر في الأرض فهو غير مستعد للموت بما كسبت يداه. فيتمنى لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر.

(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * ((وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِم))ْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ ((أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ ))وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ((لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة))ٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 94 – 96]

(وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)
[سورة السجدة 10 – 11]

لذلك نجد الكافر يرتبط كفره بإنكار لقاء الله وإنكار البعث وإنكار اليوم الآخر.
فهو لا يتخيل أنه سيحاسب على أعماله فيفضل الإنكار ليرتاح ضميره.

فهم يقولون أإذا ضللنا في الأرض أإنا في خلق جديد؟!
أإذا كنا ترابا ورفاتا أإنا لمبعوثون؟

يكفرون بلقاء الله و الرد الإلهي القوي لهم.

( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ ((((تُرْجَعُونَ))))

ليتنا نستشعر أن ملك الموت قد وكل بنا ولم يبقى سوى أنه ينتظر الأمر لينفذه
وبعدها لقاء الله نرجع إليه ليحاسبنا
وينبئنا بما كنا نعمل.

لو أن هذا الشعور مستمر بأني قد أموت في أية لحظة فسيكون مستوى الخشوع عال جدا في قلبي بإستمرار.

لذلك نجد بعض الأئمة في المساجد يقولون للمصلين صلوا صلاة مودع .
لكي تكون صلاتهم خاشعة.

نحن مودعين أساسا!
فنحن في رحلة قصيرة جدا في هذه الحياة الدنيا .

هي أقل بكثير من إرتدادة طرفة عين مقارنة بطول الحياة الآخرة.

وكأننا ندخل من باب ونخرج من باب .

فلماذا لا نشعر بشعور المودع للحياة الدنيا؟

بل أن من يفعل ذلك يصبح سخرية القوم ويلقب بالمريض نفسيا

ويوم القيامة يكتشف من ضيع الدنيا في اللهو واللعب أنها كانت قصيرة جدا.

فالغافل مثل النائم الذي لا يشعر بالزمن
ينام ساعات طويلة ويظن أنه لم ينم إلا قليلا.

(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا)
[سورة اﻹسراء 52]

فيتساءل المجرمين يومها كم لبثنا؟

(يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا)
[سورة طه 103]

ثم يأتي أمثلهم طريقة ويقول لا لم تكن عشرا بل هو يوم واحد فقط !!

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا)
[سورة طه 104]

ثم يسألهم كم لبثتم في الدنيا فيجيبون.

(قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ)
[سورة المؤمنون 113]

فيرد عليهم

(قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
[سورة المؤمنون 114

ثم عندما يرون العذاب ينقصون المدة فيقولون…

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)
[سورة النازعات 46]

ثم يشعرون أنها لم تكن إلا ساعة من نهار!!!

(ْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)
[سورة اﻷحقاف 35]

يا لقصر الدنيا لو أنكم تعلمون!!

نسوا لقاء الله لأنهم غفلوا عن آياته الكونية فلم يعظموه واستهانوا معصيته.

ظنوا أنه خلقهم عبثا
وخلق السماوات والأرض لعبا
ونسوا أنهم إليه راجعون

وجرت بهم الأيام ولم يشعروا بها تماما كالنائم.

ولنا عبرة في فتية الكهف الذين ناموا 309 سنوات وظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوم!!

ألا تشعرون بأن الأيام تجري بسرعة؟
قريبا ودعنا رمضان الماضي والآن وصلنا للأسبوع الثاني من رمضاننا هذا!!!

لم نخلق لنعبث ليس لدينا متسع من الوقت

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)
[سورة المؤمنون 115]

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ)
[سورة اﻷنبياء 16 – 17]

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
[سورة الدخان 38 – 39]

فيقول الغافل دعوني أعيش حياتي
دعوني أستمتع
إن هي إلا حياة واحدة!

إنتهى الوقت ولم نكمل حديثنا
نتابع في الغد إن شاء الله.

فتابعونا…

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *