الدرس التاسع

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

تذكرون في بداية الدورة أني قلت أنني قد أطلب منكم إضافة أمور في جدول حياتكم تتطلب الصبر.

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
[سورة السجدة 24]

والمؤمن يصبر على الطاعات ويصبر عن المعاصي والذنوب.

والمؤمن يحب أن يتحلى بالورع
وقلنا أن الورع هو ترك ما اختلف فيه العلماء هل هو مباح أو حرام خشية الوقوع في الحرام.

وأيضا الورع يتضمن العمل بما اختلف فيه العلماء هل هو مندوب أو واجب خشية أن يكون واجبا.

فمن كان قلبه متعلقا بالدنيا سيكره أن يعطي مزيدا من وقته للعبادات.
سيكره أن يُحرَم من أمور دنيوية يعتبرها أساسية في حياته وتزيد من متعته بالدنيا.
سيكره أن يبذل جهدا أكبر في العبادات التي اتصف بها المؤمنون والمتقون وعباد الرحمن وأولو الألباب في الآيات لأنه يكره ترك الراحة ويكره المسارعة في الخيرات لأنها تأخذ من وقته وجهده بعيدا عن الدنيا وشهواتها وملذاتها.

فما هي الصفة الضرورية التي على متدبر القرآن الإتصاف بها اقتداء بالذين زكاهم الله في كتابه وامتدحهم؟ ولماذا هي ضرورية في التدبر ؟

انه قيام الليل الطويل!

تأملوا معي..

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا)
[سورة اﻹنسان 26]

فما علاقته بحب الدنيا من عدمه ؟
تأملوا الآية التي تليها مباشرة في نفس السورة..

(إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا)
[سورة اﻹنسان 27]

هو يقوم ليسجد ليلا طويلا وهم يحبون العاجلة وينسون الآخرة.

ولكن ما هو الليل الطويل؟
نجد الإجابة في سورة المزمل..

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)
[سورة المزمل 2 – 5]

إذن هنا يأمره بقيام الليل الطويل (قم الليل إلا قليلا) بمعنى قم كل الليل إلا القليل لتنام فيه.

قم طويلا ونم قليلا.

وحدد الطول بنصفه أو أقل منه بقليل أو يزيد على النصف.

ولكن هل فهم الصحابة رضوان الله عليهم أنه أمر خاص به أم أنهم طبقوا معه تأسيا به؟

نجد الإجابة في نفس السورة في الآية الأخيرة.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ (((وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)))

ثم وضع لهم قائمة الأعذار المقبولة لعدم القيام وماذا عليهم أن يفعلوا في حالة حصول تلك الأعذار لهم..

ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)) ۚ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ ((مَرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) ۖ ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ)) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
[سورة المزمل 20]

إذن ثلاثة أعذار:
المرض
السفر
القتال في سبيل الله.

هؤلاء لا يقومون الليل الطويل لا ثلث ولا نصف ولا أدنى من الثلثين.

إذن ماذا عليهم؟

أن يقرأوا ما تيسر من القرآن.

ما هو المقدار الأدنى؟

نجده في الحديث الصحيح..

(من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين)

إذن الحد الأدنى هو عشر آيات وهو ليس بكثير فالفاتحة بها ٧ آيات وحدها.

إذن لماذا قيام الليل ضروري للمتدبر؟

كثير من الآيات ذكرت تلاوة القرآن وربطته بالليل فالليل هو وقت هدوء فلا ازعاج للأطفال ولا ضيوف ولا مكالمات ولا أي شيء يشغلك فتكون قراءتك للقرآن قراءة تركيز وفهم وتدبر.

كما أنها مؤثرة أكثر في هذا الوقت لقوله تعالى:

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)
[سورة المزمل 4 – 6]

كما أنه امتدح بعضا من أهل الكتاب أنهم كانوا يقومون الليل يتلون كتاب الله.

(لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ ((قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ))* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)
[سورة آل عمران 113 – 114]

فأين نحن منهم ألسنا أولى بالقيام آناء الليل نتلو آيات الله؟

إذن إن كنت حقا تود فهم هذا الكتاب عليك بتخصيص وقت له في الليل لتقرأه بهدوء وتركيز ورب عشر آيات تنهض الهمم وتمهد الطريق لك للجنة خير من جزء تقرأه ولا تعلم ما قرأته ولا تفقهه.

فإن كنت راغبا حقا فابدأ من الليلة.

وتابع التطبيقات الأسبوع المقبل بإذن الله.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *