بسم الله الرحمن الرحيم . وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا علما وحكمة من لدنه إنه هو العليم الحكيم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [سورة الحشر : 20]
قلنا في الدرس الماضي أن أصحاب الجنة وأصحاب النار لا يستويان عند الله ولا تستوي حياتهم ولا مماتهم ولا بعثهم ولا مصيرهم في الآخرة واستعرضنا نموذج أصحاب الجنة وفي هذا الدرس نتدبر آيات أصحاب النار محياهم ومماتهم.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [سورة الجاثية : 21]
المؤمنون قالوا ربنا الله وشهدوا بذلك ثم استقاموا.
أما أصحاب النار قالوا آمنا بأفواههم وهم في الواقع كاذبون.
( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [سورة المنافقون : 1]
بمعنى شهدوا أنه رسول الله وهذا يقتضي أنهم أيضا يشهدون أن لا إله إلا الله.
نطقوا الشهادتين علنا والله يعلم سرهم ونجواهم ويعلم مرض قلوبهم بالنفاق ويشهد أنهم كاذبون!
وكذلك كثير ممن يشهدون بالشهادتين وفي قلوبهم مرض والله يعلم أنهم كاذبين بالشهادتين وأفعالهم أصدق دليل على كذبهم.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [سورة البقرة : 8]
يقولون وما هم بالمؤمنين.
(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [سورة البقرة : 9]
هم بكلامهم يخادعون الله والذين آمنوا و في الواقع هم يخادعون أنفسهم يقول أنا مؤمن ولا يفعل ما يقتضيه الإيمان من عمل فيخدع نفسه ولا يشعر.
الإيمان هو التصديق فهل يفعل الفاحشة من يصدق بأن الله يراه وهو يفعلها؟
هل يعصي الله من يصدق حقا بأنه البصير وأنه عظيم؟
هل يصدق حقا بالقرآن من يرفض الرجوع إليه في الأحكام؟
هل يصدق فعلا من يؤخر
التوبة باليوم الآخر ؟
حياتهم قول بلا فعل يكذبون بالإيمان.
لو آمن أحدهم بأن بجانبه أفعى كوبرا لقفز من مكانه لقام بفعل يثبت ويبين تصديقه
فما الذي يثبت ايمان شخص بالله ورسوله واليوم الآخر؟
غير العمل الصالح.
إن لم يقوموا به فلا دليل على تصديقهم وكان دليلا على كذبهم.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [سورة المنافقون : 1]
وهؤلاء المنافقون الذاكرون الله ذكرا قليلا حياتهم مختلفة عن أصحاب الجنة الذاكرين الله ذكرا كثيرا.
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [سورة طه : 124]
حياتهم عذابات ومشاكل ومحن ومصائب حتى المال والأولاد مصدر عذاب لهم.
(فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [سورة التوبة : 55]
ولا يشعرون أنهم غير مؤمنين
(وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [سورة التوبة : 56]
والمؤمنون قلنا بأنهم يسارعون بالخيرات ويسارعون لكسب مغفرة ربهم.
وهؤلاء أيضا يسارعون ولكن في ماذا؟
(وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة المائدة : 62]
يسارعون في المعاصي وظلم أنفسهم ويسارعون في العداوات بينهم وبين بعضهم .يسارعون في الحرام.
ليس هذا فقط ولكن يسارعون في الكفر!
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ ….) [سورة المائدة : 41]
(وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [سورة آل عمران : 176]
هذه هي حياتهم ضلوا وأضلوا السبيل.
فكيف مماتهم؟
(فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) [سورة محمد : 27]
لماذا يضربونهم؟
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [سورة محمد : 28]
أحبط الله جميع أعمالهم لأنها بنيت على باطل كرهوا رضوان الله. اتبعوا ما يوجب غضبه تهاونا اتبعوا ما يوجب لعنته . بأنفسهم كرهوا رضوان الله وهم لا يشعرون فاستحقوا الضرب!
وهذا خاص لمن كان في قلبه مرض. تأملوا الآية التي بعدها.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) [سورة محمد : 29]
دليل آخر ..
(إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة اﻷنفال : 49]
ما مصيرهم؟
(وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [سورة اﻷنفال : 50]
لماذا يا رب؟
(ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [سورة اﻷنفال : 51]
لم ولن يظلم أحدا..
كيف هو محشرهم؟
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) [سورة النمل : 87]
كيف هو مسيرهم للنار؟
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا) [سورة مريم : 86]
يسوقونهم سوقا تخيلوا الإهانة لهم.
كيف دخولهم لأبوابها..
(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [سورة الزمر : 71]
أرسل لكل منهم من يتلوا عليهم آيات ربهم كلهم سمعوا الآيات ولكنهم أهملوها وأعرضوا عنها وتكبروا.
(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [سورة الزمر : 72]
في الدنيا كانوا مشغولين بالمسارعة بالمعاصي والعداوات وأكل المال الحرام.
في النار هم أيضا مشغولين ولكن بماذا؟
بالعداوات والتخاصم والإنتقام وكل فريق يريد أن يزيد الآخر عذابا فوق عذابه
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [سورة فصلت : 29]
وهذا دعاؤهم على سادتهم وكبراؤهم
(رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [سورة اﻷحزاب : 68]
(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) [سورة اﻷعراف : 38]
(وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [سورة اﻷعراف : 39]
مشغولين يالتلاعن والعداوات والبغضاء.
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [سورة الزخرف : 67]
في الدنيا كانوا أصدقاء أو أزواج أو قرابات أو زملاء انشغلوا بارضاء بعضهم البعض في الدنيا و كلهم لبعض عدو في الآخرة إلا المتقين.
(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [سورة الحشر : 20]
لا يستوون أبدا هذا هو عدل الله.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [سورة الجاثية : 21]
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.