بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوتي الكرام جمعنا الله سبحانه وتعالى هنا لغاية وهدف.
وما اجتمعنا إلا حبا في تدبر كلامه سبحانه وحبا له وتعظيما لكتابه.
و لا تظنوا إخوتي أن اجتماعنا هنا كان صدفة أو بترتيب من بشر أو بدون إذن من رب العالمين.
بل هو من اختارنا لنسمع آياته ليزكينا بإذنه ونتعلم منه الكتاب والحكمة.
هو اختار كل واحد منكم. لتستمعوا إلى ما نزل من الوحي.
استشعر هذا واستمع لكلامه واستشعر أنك أنت المُخاطَب. وأن هذا كلام رب العالمين إليك.
(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ)
[سورة طه 13]
اقرأ الآية بصوت مسموع ليسمعها قلبك.
فكل آية ستتلى عليكم هنا لن تتلى إلا بإذنه ومشيئته.
تأكد من هذا!
استمع لنفسك وأنت تتلو قول الله عز وجل:
(قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ ۖ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
[سورة يونس 16]
كررها عدة مرات لعلها تلامس قلبك وتؤثر به.
استمع إليها وأنت مستشعر أنه كلام الله إليك.
إخوتي دخلتم الدورة والهدف هو تعلم كيفية التدبر .
والأمل هو أن يكون كل واحد منكم متدبرا للآيات بنفسه مبلغا لغيره وليس حافظا أو قارئا لتدبر غيره.
والتدبر له شروط أوله سلامة القلب.
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
[سورة محمد 24]
لذلك دعونا أولا نعمل على تهيئة القلب لينال هذا الشرف العظيم وهو تنزل القرآن على القلب ليفقهه.
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)
[سورة الشعراء 192 – 194]
وعلامة نزولها على قلبك هو أن تنذر بها وتبلغها للآخرين وتعمل بها.
إخوتي مهما جاهدنا واجتهدنا في تدبر القرآن فلن نتمكن من التدبر بطريقة صحيحة إذا لم يفقه القلب تلك الآيات العظيمة.
فالقلب هو العضو المسؤول عن التدبر.
ولن يتمكن القلب من التدبر إلا لو نزلت فيه الآيات.
ولن تنزل الآيات فيه إلا لو كان سليما من الأقفال.
وإلا فلن يفقهها!
( لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا )
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها)
قد يظن أنه تدبر الآية ويفرح بنفسه وفي الحقيقة قلبه مريض ومقفل. ولا يعلم أنه قد فهمها بطريقة معكوسة تماما!
فالمتكبر يعكس معنى الآيات فيرى سبيل الغي ويتبعه ويرى سبيل الرشد ولا يتخذه سبيلا.
وهو أمر غاية في الخطورة .
ويحدث لكل من يرفض كسر أقفال الكبر في قلبه.
((سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ)) فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا)) وَإِنْ يَرَوْا ((سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا)) وَإِنْ يَرَوْا ((سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا)) ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
[سورة اﻷعراف 146]
لنأخذ مثالا:
قد يتلو هذه الآية:
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
[سورة الحديد 20]
فيفهم أن المطلوب منه في هذه الحياة الدنيا هو أن يقضيها في لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر.
بينما المراد من هذه الآية هو تبيين أن هذا هو حال من يركن للحياة الدنيا وينشغل بها ويستحبها على الآخرة فهي ليست إلا متاع الغرور.
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
[سورة اﻷنعام 32]
إذن دعونا إخوتي نشتغل على هذا القلب الذي في صدورنا ليكون قلبا عاقلا يفقه آيات الله بطريقة صحيحة.
فالعلم والحكمة لا يؤتيان إلا بعد تزكية القلب.
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
[سورة البقرة 151]
لاحظوا الترتيب في الآية
أولا تلاوة الآيات وتزكيته ثم التعليم والحكمة.
والله عز وجل لا يعلم الكتاب والحكمة لأي كان.
فكتابه عزيز وعلمه يصل لمن يعز هذا الكتاب.
كريم ولكنه لا يعطي جواهره الثمينة إلا لمن أعطاه من أفضل أوقاته.
كتاب كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون.
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
[سورة الواقعة 77 – 79]
لا يلامس إلا القلب المطهر من أمراض القلوب.
صدقوني إن ذقتم طعم حلاوة الآيات في القلب فلن تملوا قراءته آناء الليل وأطراف النهار.
ونحن هنا لهذا الغرض.
لأجل هذا إخوتي علينا بذل الجهد للتخلي عن كل ما يسبب عدم نزول الآيات في القلب.
علينا بذل الجهد لتزكيته
لتطهيره وجعله سليما ومهيئا للتدبر.
لا يوجد شيء في العالم يستحق أن نتمسك به ونصر عليه وهو يحرمنا من لذة القرب من الله ومن السير على طريق جنان عرضها عرض السموات والأرض.
إخوتي قد أطلب منكم التخلي عن أمور جعلتموها مبدأ من مبادئكم ولا علاقة له بالدين.
أو عادة من عاداتكم تحرمكم من تدبر القرآن.
أو بذل جهد إضافي وقد تكون نفسك قد اعتادت على الراحة.
فإن كنت تريد الخروج من الدورة متدبرا تعاهدني أنك ستسعى بكل جدية لتزكية قلبك وتطهيره وتزكيته مهما تطلب الأمر من جهد ومن عمل.
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ((لَمَّا صَبَرُوا)) ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
[سورة السجدة 24]
لا بد من الصبر ومجاهدة النفس والهوى والصبر على الإبتلاء والصبر على الطاعات والصبر على القيام الطويل.
ولكن الثمرة رائعة في الدنيا والآخرة.
يزين الله لك الإيمان في قلبك ويحببه في نفسك ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان.
هذا في الدنيا
أما في الآخرة فالأمر يفوق الخيال
جنات لا تخطر على قلب بشر.
(.. وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)
[سورة الحجرات 7]
ولكن انتبهوا أولا لهذا الحديث الشريف.
قال – صلى الله عليه وسلم – : ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم )
فهو يبين أهمية نبذ الخلافات والعداوات والشحناء وقطيعة الأرحام.
وقد أرشدنا الله عز وجل أيضا لنكون لينين لبعضنا البعض.
” وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ “
• بلين جانبك,
• ولطف خطابك لهم,
• وتوددك,
• وتحببك إليهم,
• وحسن خلقك والإحسان التام بهم.
لا تستغربوا من إصراري على موضوع تصفية القلب من أية مشاعر سلبية تجاه أي إنسان. تأملوا الآيات التي تسبق الآية
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)
إنها عن قطيعة الأرحام
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ((وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)) * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ ((لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ))
[سورة محمد 22 – 23]
إذن كأول تطهير نسلكه اليوم في طريقنا للتدبر هو العفو عن كل من أساء إلينا ووصل أرحامنا الذين قطعناهم.
فإن قبلت القيام بهذا العمل فتابعني في الدرس القادم بإذن الله.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.