بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ ((السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
[سورة الفرقان 6]
نبدأ بحول الله وقوته هذه الدروس التي أبتغي بها تعلم وتعليم أسرار القرآن.
فهذا القرآن عظيم من رب عظيم وبه من الأسرار العظيمة ما يمكن بها الحصول على كل ما نتمنى.
كيف لا ومنزله العظيم سبحانه وتعالى يقول عنه:
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ ..َ)
[سورة الرعد 31]
بين حروف هذا الكتاب العظيم أسرار لو تعلمناها لاستخلفنا الله على الأرض.
أليس هو القائل:
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
[سورة النور 55]
بلى وربي هو.
هذه الآيات حروف منيرة لو استرشدنا بها في ظلمات الجهل لأنارت لنا طريقا فيه السعادة والمال والبنون والنجاح والشفاء والقوة والتمكين والحصول على كل خير في الدنيا والآخرة.
يعلم الكثير ذلك ولكن الأكثرية لم يتمكنوا من الاستنارة بها ولذلك هجروه ولجؤوا لكتب أخرى من صنع بشر بحثا عن السعادة.
لم يتمكنوا من الاستنارة بالآيات لأن نورها داخلي وليس خارجي.
فنورها يكون في القلوب وقد أظلمت قلوب الكثير.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا)
[سورة النساء 174]
وأنزلنا إليكم نورا مبينا.
أين يتنزل؟
في القلوب!
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)
[سورة الشعراء 193 – 194]
فإذا لم تتنزل لن تنير القلب وإذا لم تتمكن من الاستنارة بالآيات فلن تسترشد بها ولن تجد أسرارها التي وجدها الكثيرون وحصلوا على السعادة.
ما أكثر الذي يجري خلفه الناس في هذه الدنيا؟
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)
[سورة آل عمران 14]
وماذا أيضا؟
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ ((الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) وَآتَيْنَاهُمْ ((مُلْكًا عَظِيمًا))
[سورة النساء 54]
وماذا أيضا؟
(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ ((أَشَدُّ مِنَّا قُوَّة))ً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)
[سورة فصلت 15]
نجد همهم محصورا في:
الزواج
الذرية
الكثير من المال
والمركبات
والمزارع والثمرات
والعلم
وحب السلطة
والقوة الشديدة
هذا هو همهم الأكبر لذلك نجد تلك الكتب التي صاغها البشر والدورات التي انتشرت كلها تدور حول هذه المحاور لأنها هي هم الأكثرية.
ولكن بدلا من الوصول لها والحصول عليها بسعادة مستمرة في الدنيا والآخرة كما يريد لنا الله عز وجل من خلال الآيات؛ نجد تلك الكتب والدورات ترشدهم لسعادة وهمية لا تدوم بل تملؤها المنغصات فلا تدوم لهم السعادة في الدنيا فضلا عن دوامها في الآخرة بسبب غفلتهم عن كتاب الله.
فنجد كل القائمة السابقة سببا لتعاستهم وإن وجدوها…
(فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ((لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا)) فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)
[سورة التوبة 55]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ((عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُم))ْ ۚ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ ((فِتْنَةٌ)) ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
[سورة التغابن 14 – 15]
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ ((أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ)) وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
[سورة القصص 78]
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ((وَمِنْهَا جَائِر))ٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
[سورة النحل 8 – 9]
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
[سورة النحل 112]
(وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا)
[سورة اﻹسراء 86]
فلا يجدون السعادة -وإن وجدوها- لا مع الأزواج ولا الأولاد ولا المال ولا المركوب ولا القوة ولا السلطة ولا المزارع ولا العلم.
قد يكون فرحا محدودا، ولكنه لا يدوم في الدنيا ولا في الآخرة.
هذا في اتباع غير كتاب الله. ولكن مع اتباع الكتاب تجد كل ذلك ممزوجا بسعادة وراحة وطمأنينة في الدنيا والآخرة.
وسنرى هذا بإذن الله في الدروس القادمة بالتفصيل.
الشاهد هو أن عدم حصولنا على أسرار القرآن ليس بسبب عيب أو نقص أو غموض في كتاب الله حاشا لله أن يكون في كتابه ذلك سبحانه وتعالى.
فآياته بينات هكذا نزلت على قلب النبي، وهكذا تنزل على قلب كل مؤمن .
(بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)
[سورة العنكبوت 49]
ولكن العيب هو أن لا تكون قلوبنا سليمة لتعقل تلك الآيات وتستنير بها وتكشف بها أسرار القرآن.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
[سورة الحج 46]
والعيب هو أن لا ننفذ الشرط وننتظر تحقق الوعد من الله.
وإلا فالقرآن واضح بين وأسراره واضحة بينة وهي متاحة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولكن دعونا في الدرس القادم نركز أولا على سلامة القلب لنتمكن بإذن الله من الغوص عميقا في آيات الله للحصول على أسراره والعمل بما يضمن لنا السعادة في الدنيا والآخرة.
فتابعونا…
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.