بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
نبدأ بحول الله وقوته دورتنا هذه لنتابع الإستشفاء بآيات الله من مرض القسوة
لتصل قلوبنا للين ثم للخضوع ثم لتستسلم لربها استسلاما تاما
وكما اتبعنا في الجزء الأول من الدورة المنهج القرآني للسجود القلبي سنتبع بإذن الله أيضا في هذه الدورة المنهج القرآني في ذلك.
ونفتتح دورتنا هذه بقول الله عز وجل
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
[سورة الجاثية 2]
لن نصل للاستسلام التام وهو الهدف الذي نسعى إليه في هذه الدورة إلا إذا تنزلت هذه الآيات في قلوبنا.
(تنزيل الكتاب من الله)
هل أنزله جل في علاه من فوق سبع سماوات لينزل على الأرض الصماء؟
أم على جبل شامخ؟
لو أنه أنزله على جبل ماذا كان سيحدث؟
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
[سورة الحشر 21]
فهل رب العزة خلق الجبال لتتصدع؟ لا
هو لم ينزل هذا الكتاب عليها لأنها كانت ستتصدع.
ولكنه أنزله لينزل في قلوب عباده
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى((ٰ قَلْبِكَ)) لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)
[سورة الشعراء 193 – 194]
(تنزيل الكتاب من الله)
فإذا نزل لمكانه الذي أراده الله أن ينزل فيه تحقق الإستسلام للقلب
إذن مشكلتنا في قسوة القلب وغفلته هو في الواقع ناتج من عدم نزول الكتاب في القلب.
لماذا؟
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
[سورة محمد 24]
وجود الأقفال عليها
ولكون القلوب القاسية هي أقسى من الحجارة
فالجبل كان ليتصدع لو نزل عليه ولكن القلب القاسي أشد قسوة من الحجارة.
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 74]
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
[سورة الجاثية 2]
لو أننا نسعى لفتح تلك الأقفال وتليين تلك القلوب لنزل عليها الكتاب.
فما هو الحل ؟
كيف نفتح تلك الأقفال ونلين القلوب ونجعلها مهيأة لنزول القرآن فيها؟
(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
[سورة المائدة 16]
بالإتباع وبالتوبة النصوح وترك المعاصي.
نتبع آياته فبتطبيق الآيات نكون قد اتبعنا رضوان الله
فإذا اتبعنا رضوانه اهتدينا وانتفعنا بالقرآن
ينزله الله على قلوب عباده لينتفعوا به لأنهم اختاروا الإستسلام التام لله عز وجل وخطوا خطوة إلى ربهم فزادهم هدى.
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
[سورة الجاثية 2]
والله عزيز لا يقبل أن يهدي من لا يريد الهداية
تخيلوا ملكا ينادي فقيرا في الشارع يريد أن يهبه مالا وعقارا فيقول الفقير لا أريد منك شيئا أنا مستغن عنك!
ويقولها علنا أمام الناس!
هل يبقى الملك هكذا عزيزا؟
أم ذليلا مهانا؟
في حين أنه لو أتاه الفقير لبابه يسأله مالا وعقارا وأعطاه فإذا الفقير يخر شاكرا له وممتنا
هل يبقى هكذا عزيزا؟
هذا فقط مثال لتقريب المعنى ولا أقصد به المقارنه فلله المثل الأعلى.
فالله عز وجل عزيز
أعطى الإنسان الإختيار
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)
[سورة اﻹنسان 3]
فمن اختار الهداية هداه الله ومن اختار الضلالة تركه الله وأضله
لأنه عزيز لا يحب أن يعبد على كره
(مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا)
[سورة اﻹسراء 15]
فمن يختار أن يتقرب إلى العزيز كان عزيزا
يعزه الله
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
[سورة الجاثية 2]
فالعزة كلها من الله ومن اختار غيره ذل
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
[سورة الجاثية 2]
يعزه الله يختار له الأفضل
الخير الكثير
إنها الحكمة
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
[سورة البقرة 269]
فهو العزيز الحكيم ومن يتقرب إليه ويتبع كتابه العزيز الحكيم يجعله عزيزا حكيما.
لذلك كلما اتبعنا كتابه كلما وجدنا أنفسنا نكتسب تلك الصفات.
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
[سورة الجاثية 2]
إذن نخرج من الدرس أنه علينا أن نجتهد بالإتباع لهذا الكتاب ليتنزل على قلوبنا وننتفع به فيعزنا الله ويعلمنا الحكمة.
وبالتالي نكون قد خطونا خطوة نحو الخضوع والإستسلام التام لله عز وجل.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك