بسم الله الرحمن الرحيم. وبالمعين نستعين وباسميه العليم والحكيم نسأله أن يؤتينا علما وحكمة من لدنه إنه هو العليم الحكيم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي . رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
[سورة القصص 4]
فرعون علا في الأرض بمعنى تكبر وتجبر
وأخطأ بذلك خطأ كبيرا.
أكبر خطأ يفعله أي حاكم هو أن يعلو في الأرض وأن ينشر في البلد الفساد.
لأنه يخسر كرسي الحكم في الدنيا كما حصل مع فرعون وسنوضح ذلك بعد قليل . ولكن الأهم هو أن يخسر مكانه في جنة عرضها السموات والأرض ولا يكون له فيها موضع قدم.
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ ((لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا)) ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
[سورة القصص 83]
فرعون أراد أن ينشر الفساد بين شعبه ليستخفهم ويتمكن من خداعهم وإيهامهم أنه الكل في الكل.
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)
[سورة الزخرف 54]
تمكن من جعلهم فاسقين بنشر وسائل الفساد ليستخفهم ويطيعوه.
ثم استغل وسائل الإعلام لإيهامهم أنه ربهم الأعلى فأطاعوه.
(فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ)
[سورة النازعات 23 – 24]
بمعنى هو من يمدهم بكل شيء هو من ينعم عليهم وهو الذي يدبر كل شؤونهم .هو ربهم الأعلى.
وفوق هذا أوصل لهم بوسائل الإعلام فكرة أن له ملك مصر وهو في الحقيقة مجرد حاكم.
(وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
[سورة الزخرف 51]
فأطاعوه. استخفهم لأنهم قوم فاسقون.
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
[سورة القصص 4]
بعد أن وصل لمرحلة ادعاء الربوبية العليا مرر لهم حكما شنيعا فأطاعوه.
قسم البلد لطوائف وفرق . واستضعف فئة منهم وهم بني اسرائيل ثم بعد استضعافهم من قبل الشعب أيضا رأوا أنهم لا يستحقون أي من حقوق المواطنة كمصريين فهم الطائفة المنبوذة ودماؤهم رخيصة وأرخص من دماء الأنعام.
فذبح أبناؤهم واستحيا نساؤهم على مرأى ومسمع من الشعب الفاسقين وموافقتهم وتأييدهم له.
“فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين”
ووسائل إعلامه لعبت دورا في ترخيص قتلهم فهم من دين آخر وليس من دينكم يعبدون إلها آخر وما علم لهم فرعون من إله غيره.
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي َ)
[سورة القصص 38]
فهو الذي يشفيهم وهو الذي يسكنهم وهو الذي يطعمهم ويسقيهم وعليهم طاعته بالمقابل في أي شيء.
وأخبرهم أن رأيه هو الصحيح وأنه سيقتل موسى لأنه يخاف على دينهم وأن ينشر فيهم الفساد!!!
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي ((أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ))
[سورة غافر 26
“فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين”
فوافقوا على قتل موسى لأن رأي فرعون هو الرأي السليم.
(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)
[سورة غافر 29]
“فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين”
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
[سورة القصص 4]
أخطأ فرعون حين قسم شعبه لفرق وطوائف والخطأ الأكبر هو عندما استضعف طائفة منهم.
منعهم من حقوقهم لدرجة منعهم من حق الحياة.
فكانت النتيجة…
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ((وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)))
[سورة القصص 5]
((وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْض))ِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
[سورة القصص 6]
كانوا يحذرون أن يأخذ حكم مصر رجل من بني اسرائيل وفق نبوءة العرافين لذلك استضعفهم وقتلهم. فجعل الله ما كانوا يحذرون منهم وورثوا مصر ومكنهم منها وجعلهم أئمتها.
(فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا * وَقُلْنَا ((مِنْ بَعْدِه))ِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ((اسْكُنُوا الْأَرْضَ)) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا)
[سورة اﻹسراء 103 – 104]
خسر كرسي الحكم في الدنيا بطريقة شنيعه هو وجنوده بالغرق وخسر مكانه في جنة عرضها السموات والأرض وكل هذا بسبب أنه
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
[سورة القصص 4 – 5]
إذن نتعلم من هذه اﻵيات أن الأسباب التي تجعل أي حاكم ينزع الله منه الحكم ويعطيه لمن يحذر منهم هي:
- التكبر والعلو في الأرض
- نشر الفساد بين قومه
- أن يجعل أهلها شيعا ( طوائف)
- أن يستضعف طائفة منهم
- أن يستخدم وسائل الإعلام ليستخف قومه ويوهمهم أنه هو ربهم الأعلى ( هو من يرزقهم ويشفيهم ويحميهم ووووو…) وأنه إلههم ( من عليهم الطاعة المطلقة له ولو في غضب الله)
- أن يتصرف بالبلد وكأنه يمتلكها ( أليس لي ملك مصر)
هذا ما فعله فرعون وذلك ما فعله به ربه وهي سنة من سنن القرآن.
ظل فرعون عاليا في الأرض لسنوات طويلة جدا من قبل ولادة موسى عليه السلام إلى أن بلغ موسى عليه السلام أشده . فلا يظن حاكم في الأرض أن مدة حكمه الطويلة تعني أنه سينجو من حكم الله إن اتبع فرعون في حكمه.
قوانين القرآن سارية على الجميع أفرادا وشعوبا وحكومات وملوك ولو طال الزمان أو قصر.
“أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.